عمر عبد العزيز أيوب
المدير العام
عقارات الزياني
كثيراً ما كنت أسمع وأنا صغير مقولةً تفيد بأن “السوق العقاري قد يضعف، لكنه لا يموت”، وغالباً ما كان ذلك يصدر عن الأجيال الأكبر سناً، وقد أثبتت السنوات صدق ذلك. فقد بدى في الماضي وكأن السوق العقاري البحريني لا ينفك عن النمو والصعود، بالرغم من بعض العثرات في الطريق. وكان ذلك نتيجةً للنمو الاقتصادي والسكاني الكبير في البلاد الذي وفر فرصةً كبيرة للتطوير العقاري. ولكن، يجب التنبه اليوم أكثر من أي وقت مضى وإعادة تقييم الافتراضات حول السوق العقاري، ويجب ألا ننسى أن الأداء الممتاز في الماضي لا يضمن العوائد في المستقبل، وذلك حال الاستثمار في أي مجال كان. وقد يصح القول بأن الاستثمار في المجال العقاري آمن إلى حد ما، لكن يجب عدم أخذ ذلك وكأنه من المسلمات. كما يجب عدم اتخاذ ممارسات الماضي وكأنها خطط تحدد معالم الطريق إلى المستقبل. على العكس، علينا التعامل مع هذا الأمر كغيره من جوانب الحياة، فطريق النمو المستدام هو التأقلم والابتكار بفعالية اعتماداً على فهمٍ لحقائق الواقع الحالية. يمكننا البدء هنا بدراسة بعض الاتجاهات الملموسة في منتصف عام 2021 بتمعن.
تسببت أزمة كوفيد-19 بأثر بالغ على السوق العقاري الذي يعتمد بشكل كبير على الوافدين الأجانب. حيث فقدت نسبة كبيرة منهم وظائفهم أو عانوا من خفض رواتبهم في 2020 مما أدى إلى تحجيم العمالة أو مغادرتهم البحرين. وبما أن التوظيف من خارج البلاد توقف كذلك في عام 2021، أدت هذه العوامل مجتمعة إلى انهيارٍ في الطلب على نحو لا يمكن تصحيحه على المدى القصير إلى المتوسط. ومع هذا، يمكننا القول إن أزمة كوفيد-19 ما فعلت سوى تسريع وقوع أمرٍ كان لا بد منه بهذا الخصوص.
يدرك الكثير من القراء أن سوق الإيجار العقاري كان في حالة فائضٍ للعرض قبيل أزمة كوفيد-19. ومع الأعداد المتزايدة من مشاريع البناء في أنحاء البلاد، أصبح منظر المباني الشبه شاغرة من شتى الفئات أمراً مألوفاً. فعلى سبيل المثال، تزخر منطقة السيف وخليج البحرين بناطحات السحاب السكنية الفاخرة، وكثيراً ما يتبادر على الأذهان السؤال “من الذي سيقطن فيها؟” فقد انخفض الإقبال على العقارات “الباذخة” بشكل واضح في الفترة الأخيرة، حيث يفضل المشترون والمستأجرون اليوم الانتقال إلى العقارات المتوسطة إلى المنخفضة الميزانية التي توفر بيئة نظيفة وميسورة في الوقت ذاته مما يسمح بتوفير المزيد من المال. وبالرغم من أن الفرص العقارية المغرية للمستثمرين الأجانب ما تزال متاحة في البحرين، إلا أن أسواقنا الأجنبية الأساسية تنبهت للفرص الاستثمارية العقارية في بلدان أخرى. على سبيل المثال، يمكن شراء فيلا واسعة في موقع ممتاز في مصر أو تركيا بنفس سعر فيلا بغرفتي نوم في الجفير، وترتفع جاذبية مثل هذه الخيارات في حال قُصد منها الاستخدام الشخصي.
ومن ناحية أخرى، نلاحظ أن عدد السكان المحليين المهتمين بالاستثمار العقاري قد بدأ هو الآخر بالانخفاض، فكثيرُ منهم يجدون أنفسهم في مواجهة المُلّاك الذين يحاولون تأجير الشقق الفارغة في نفس المبنى. ويقدم هؤلاء المُلّاك عادة للمستأجرين خدمات أفضل وأسرع وبأسعار أفضل. وبالرغم من أن برامج الدعم التمويلي الحكومي وفرت للعائلات البحرينية الشابة فرصة شراء المساكن في ظل شروط مرنة، وهو أمر أثر بشكل إيجابي على السوق بلا شك، إلا أن الخيار المفضل لدى السكان المحليين يبقى المنازل وليس الشقق. ويختار الكثير من الشباب البحرينيين البقاء في منازل الأهل إلى أن تمنحهم الحكومة مسكناً مما يعمّق التحديات التي يواجهها ملاك العقارات، وهناك عدد قليل فقط من المطورين الكبار الذين تمكنوا من تجنب هذه المعضلة.
وإلى جانب ذلك كله، كان ارتفاع أسعار الكهرباء الذي وصل ما يقارب 866 بالمائة عاملاً آخر وضع المُلّاك في موقف صعب، فإما يتحملون هم هذا العبء، أو يحمّلونه للمستأجرين، في وضعٍ يبدو وكأن الخسارة لا مفر منها للطرفين. فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر إيجار بعض الشقق في المنامة حوالي 200 دينار بحريني، وفي الوقت ذاته قد تصل فاتورة الكهرباء لنفس الشقة 100 دينار بحريني في الشهر.
هناك حتماً استراتيجيات يمكن اتباعها للمساعدة في التخفيف من حدة الوضع، فعلى سبيل المثال، يجب تحليل استهلاك الشقة للطاقة ودراسة سبل التخفيف منها لتقليل تكاليف إشغالها (مع الأخذ في الحسبان أن تكاليف تكييف الهواء تشكل ما يقارب 50 بالمائة من استهلاك الكهرباء الكلي في البحرين). ومن جانب آخر، بدأ الكثير من الناس بالانتقال إلى التسويق الرقمي، بالرغم من أن نجاحه لم يثبت بعد بشكل قاطع. كما أن بناء علاقات جيدة مع المستأجرين سيساعد في الحفاظ على قاعدة عملاء قوية، ولكن للأسف، يرتبط قرار البقاء في عقارٍ ما بالنسبة للمستأجرين على أمنهم الوظيفي بشكل أساسي، وهو أمر خارج عن سيطرتهم. قد يبدو تخفيض أسعار الإيجار والبيع طريقة جيدة للبقاء في السوق في هذه الفترة، فهذا خيار أفضل من الشقق الشاغرة، ولكن يجب القيام بذلك بحذر. فلدى النظر للجفير على سبيل المثال، تظهر مؤشراتٌ على حرب أسعار، فهناك الكثير من الملاك المستعدين لخفض الأسعار بنسب تصل 25-30 بالمائة، وهو أمر لم يكن ممكناً في الماضي.
لعل قطاع التجزئة هو أكبر ضحايا أزمة كوفيد-19، ويمكن رؤية الدليل على ذلك في المولات في أرجاء البحرين. حيث اضطر الكثير من الباعة إلى إغلاق بعض الفروع لتوفير كلف الإيجار والكهرباء ورواتب الموظفين، إلى جانب محاولة الاقتصاد من خلال مركزة العمليات والتجارة الإلكترونية، وهو ما يمكن أن يشكل توجهاً إيجابياً في الفترة القادمة بعد كوفيد-19.
قد يبدو وكأن هذه الجوانب تلف مستقبل السوق العقاري بالغموض وعدم اليقين، ولكنها قد تخلق في الوقت ذاته فرصاً للتفكير الإبداعي وتغيير التوجهات الحالية والاستثمار بعقارات أصغر في مواقع استراتيجية. فمثل هذا الاستثمار المتواضع قد يكون أكثر أمناً وقد يحقق عائداً أسرع بسبب الإقبال على المساحات المكتبية المشتركة والمساكن الميسورة.
وبما أن توقعات تعافي السوق بشكل كلي ما زالت بعيدة، فلا بد من أن يتمحور تركيز صناع القرار حول البقاء في السوق بدلاً من تحقيق النمو. فالأولوية في هذه الظروف هو تثبيت الحقائب الاستثمارية وضمان إشغال العقارات وتأمين مردودٍ مقبول، حتى وإن كان ذلك يعني انخفاض الأرباح. أما مشاريع التطوير والاستثمار الجديدة، وخصوصاً الأبنية السكنية الضخمة ومساحات بيع التجزئة الواسعة، فيجب تأجيلها وإعادة التفكير بها بشكل جدي، فهذا الوقت يدعو لإعادة النظر بشؤون السوق والتخطيط لطريق أكثر استدامة بالمضي نحو المستقبل.
نُشر هذا المقال كجزء من الإصدار السادس من تقرير اتجاهات بروبرتي فايندر البحرين.
:يمكنك أيضًا البحث عن
محلات للايجار في البحرين
شقق للايجار في مدينة حمد