أناستازيا أجيفا
المدير الإداري
آر إم آر للمقاولات ذ.م.م
حوّلت الظروف الوبائية القائمة مفهومنا العام حول “البيت” ومشاعر الراحة والطمأنينة المرتبطة به بشكل جذري. ومن مظاهر هذا التحول، عزوف المستأجرين والمقبلين على شراء العقارات عن بحثهم المعتاد عن “جو المدينة” ورضاهم بشقة مفروشة مجهزة بالخدمات لقربها من مكان العمل والتسهيلات. لقد دفعتنا آثار كوفيد 19 العالمية إلى تبني منظور مختلف أصبح “المألوف” الجديد، وتبع ذلك تكيفٌ في سلوكنا لانتهاز فرص هذا الأسلوب الجديد في الحياة.
وهكذا، تطور لدى الناس شغفٌ متجدد ونظرة جديدة لمفهوم البيت في ظل ظروفٍ دفعتهم لإعادة تقييم الجوانب الهامة في حياتهم. لقد شهدتُ شخصياً تحولاً ملفتاً في أنماط حياة العديد من عملائي القدماء والجدد. على سبيل المثال، كان من نتائج المراحل الأولى من إغلاق النوادي الرياضية والمسابح والمطاعم وغيرها بسبب الجائحة في البحرين، ارتفاع الإقبال بشكلٍ ملفتٍ على ممارسة النشاطات الرياضية الخارجية في شوارع جزر أمواج. فقد عزم الكثير من الناس على مواصلة الجهد للحفاظ على لياقتهم من خلال ممارسة رياضات المشي والهرولة وركوب الدراجة. وكنا في بعض الأحيان نشهد محاولاتٍ لمحاكاة نوادٍ رياضية مصغرة على أطراف الرصيف، حيث لاحظنا بعض الجماعات الصغيرة المكونة من 2-3 أشخاص في تدريباتهم الجماعية على رفع الأثقال.
من ناحية أخرى، ارتفع الطلب على ميزة الوصول إلى الشاطئ مع تشوق الناس للاستمتاع بالطبيعة ومناظر البحر وممارسة السباحة والتنزه على الساحل، بمعنىً آخر، أصبح السعي لما يبعث في النفس الطمأنينة والراحة من الجوانب الضرورية للناس. فلا ننسى أن العمل من المنزل وقضاء الوقت الطويل في الداخل أدى إلى البحث عن خيارات العيش الكريم المُحسّنة، وغالباً ما يعني هذا تفضيل عددٍ أكبر من الغرف بحيث يُستخدم بعضها كمكتبٍ أو نادٍ رياضي منزلي.
يمكن لمس أثر هذا التغير المذكور في الأولويات وأسلوب الحياة في سوق عقارات الواجهة الشاطئية “الاصطناعية” في كلٍ من جزر أمواج وتالا ودلمونيا، وكذلك في مراسي البحرين ودرة البحرين. فقد شهد هذا السوق نشاطاً ملحوظاً مع ارتفاع الطلب على عقاراته نتيجة التبعات النفسية للجائحة التي عززت شغف الجمهور بالأجواء الشاطئية.
ومما يدل على هذا التوجه أن شقق وفيلات الواجهات المائية الموصولة بالشاطئ تتمتع اليوم بنسبة إشغالٍ تساوي 100 بالمائة، حيث ينعم المستأجرون بالمزايا العديدة لهذه المواقع. وقد أخبرني أحد أصدقائي الذي يعمل في مجال الرياضات المائية أنه باع كامل مخزونه من قوارب الكاياك خلال 3 أشهر فقط. وبالفعل، أدى هذا الإقبال المنقطع النظير على الأدوات الرياضية إلى استهلاك المعروض حيث يسارع الناس في شراء الدراجات وغيرها قبل نفاذ الكميات من المتاجر.
كما تشهد الفيلات المستقلة على الشاطئ طلباً مرتفعاً سواء كانت تشمل بركة سباحة أم لا، وفي كلٍ من سوقي الإيجار والبيع على حد سواء. وقد لمسنا هذا مع محفظتنا من العقارات المخصصة على الواجهة المائية والتي تتراوح في السعر ما بين 250,000 إلى 650,000 دينار بحريني. فهذه العقارات كانت خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية عرضةً لخمول السوق، إلا أنها بيعت بالكامل في الفترة ما بين 2020 و2021. ولا يزال الطلب مستمراً على بيع وإيجار هذه العقارات بالذات على الواجهة المائية، وقد أدى شح العرض في السوق إلى تصاعدٍ كبيرٍ في الأسعار.
انطبق انعدام الشواغر كذلك على العديد من مجمعات فيلات الإيجار في جزر أمواج خلال الأشهر الستة الماضية، في حين طالت قوائم انتظار العملاء المحتملين المستعدين للانتقال إلى هذه العقارات بشكل مباشر حالما يخرج المستأجرون الحاليون منها. أنا لم أرَ شخصياً مثل هذا النشاط طيلة سنوات خبرتي الأربع عشر في سوق عقارات جزر أمواج. ومما عزز من شح المعروض قيام عدد من المستثمرين والمؤجرين البحرينيين والأجانب بسحب عقاراتهم من السوق للاستخدام الشخصي سواء للسكن أو لقضاء عطلات نهاية الأسبوع.
يمكننا وصف سوق جزر أمواج في الوقت الحالي بأنه سوق قوي ومرن في وجه الظروف الاقتصادية مقارنة بالفترة التي سبقت الجائحة. وكان أهم عامل ساهم في مرونة السوق وما قد يكون مفتاح المزيد من النمو في المستقبل، هو الشغف المتجدد للمنزل والتحول إلى أسلوب حياة متعطش للبيئة الشاطئية والمواقع الهادئة والطلب على العقارات الواسعة، وهي جميعها ما يوفره سوق جزر أمواج بالضبط.
مع انحسار الجائحة، أعتقد أن منازلنا أصبحت تشكل محور عالمنا بشكل أساسي، وصاحب هذا تغيرٌ على مستوى عميق في إدراكنا لمفهوم المنزل، ولما يوفر لنا الراحة والسعادة. ولا شك أن هذا كله يخلق لنا فرصة إعادة توجيه وصياغة لذاتنا لأن هذه التغيرات باقية معنا على الأرجح مستقبلاً.
نُشر هذا المقال كجزء من الإصدار السابع من تقرير اتجاهات بروبرتي فايندر البحرين.
:يمكنك أيضًا البحث عن
فلل النسيم ديار المحرق
اراضي للايجار في البحرين